يعرض الكاتب سردًا تاريخيًا عن الصراع المستمر بين العلم والإيمان، يدعونا من خلاله للتريث وفحص الأدلة العلمية بجانب فحص غرض الكلمة المقدسة. فأولوية الكتاب المقدس هي هداية الإنسان إلى طريق الخلاص، وليس غرضه تقديم حقائق علمية. بمعنى أن الكتاب المقدس مختص بفحص مَنْ خلقَ الكون ولماذا خلقه، بينما يختص العلم بفحص كيف ومتى خُلق الكون. إذًا للإيمان حدود وللعلم حدود. هذا التوجه لدى الكاتب يترك للقارئ مجالاً للحرية الفكرية في حدود ضوابط علمية وعقلية وواقعية، مما يقودنا إلى فك الصراع بين الفعل الإلهي والوصف العلمي، والنزاع على من له السلطان الأعلى: كلمة الله أم كلمة العلم، وكأن الكتاب المقدس والعلم عدوّان لدودان. يدعونا الكاتب لننفض عنا مساواة الاعتقاد بأنَّ التطور إلحاد، والظن بأن الخلق والتطور بدائل بعضهما عن بعض، وضرورة أن ينفي أحدهما الآخر.
يرشدنا توجّه الكاتب—المُتَّصف بالإيمان الباحث عن الفهم—إلى احتمالية وجود علاقة تكامل لا تضاد بين الروح والعقل لدى المؤمن المثابر في البحث العلمي، فيمتزج فرح العبادة بفرح الاكتشاف. كما يساعدنا هذا التوجه في الخروج من علاقة عداء واتهام وتشكيك إلى علاقة حوار صريح وراقٍ نعبِّر فيه عن الاختلاف بنزاهة واحترام، ونتحدث فيه عن العلاقة بين الخبرة الإيمانية والمعرفة الفكرية، حتى نصل إلى لاهوت العلم. فالله هو السيد على العلم وعلى الإيمان. ولا يتوقف الكاتب عند الكلام عن دور الله في الخلق، ولكنه أيضًا يذكِّرنا بدورنا ومسؤوليتنا في مشاركة الله في العناية بالخليقة. وأخيرًا يحفّزنا الكاتب على فضيلة التواضع التي تحمينا من "كبرياء التفسير" والتفسير الحرفي المباشر والجامد، كما يذكرنا بالقاعدة الأهم: في الأمور الجوهرية وحدة، وفي الثانوية حرية، وفي كل الأمور محبة.
يحدِّث هذا الكتاب بصورة مباشرة الشباب العرب ويتحدث بالنيابة عنهم بعرضه نتائج استطلاع الرأي بينهم، الأمر الذي يجعله كتابًا يخاطب الشباب ويعطيهم، في الوقت نفسه، مسرحًا لعرض أفكارهم وأسئلتهم وكذلك—وللأسف—إحباطهم من تقصير الكنيسة في توعية شبابها عن العلاقة الأمثل بين العلم والإيمان من منظور مسيحي.
أنصح بشدة كلّ شاب عربي شغوف لفهم العلاقة بين العلم والإيمان ولكن يخشى أن يهدد العلمُ إيمانَه بالله، بقراءة هذا الكتاب. أنصح به أيضًا لأهالي أولئك الشباب، ومن يخدمون بينهم، وكل من يقف حائرًا أمام أسئلته الهامة والشائكة عن موضوع الخلق، ونظريات التطور، والعلاقة بين العلم والدين.